سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


المعنى يقال لهم يوم العذاب وعند حلوله {لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون} وهذا القول يجوز أن يكون حقيقة، أي تقول ذلك لهم الملائكة ويحتمل أن يكون مجازاً أي لسان الحال يقول ذلك، وهذا على أن الذين يجأرون هم المعذبون، وأما على قول ابن جريح فلا يحتمل أن تقول ذلك الملائكة، وقوله {قد كانت آياتي تتلى عليكم} يريد بها القرآن، و{تنكصون} معناه ترجعون وراءكم وهذه استعارة للإعراض والإدبار على الحق، وقرأ علي بن أبي طالب {على أدباركم تنكُصون} بضم الكاف وبذكر الإدبار بدل أعقاب، و{مستكبرين} حال، والضمير في {به} قال الجمهور: هو عائد على الحرم والمسجد وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في الأمر، والمعنى أنكم تعتقدون في نفوسكم أن لكم بالمسجد والحرم أعظم الحقوق على الناس والمنازل عند الله فأنتم تستكبرون لذلك وليس الاستكبار من الحق، وقالت فرقة: الضمير عائد على القرآن من حيث ذكر الآيات والمعنى يحدث لكم سماع آياتي كبراً وطغياناً.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول جيد وذكر منذر بن سعيد أن الضمير لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو متعلق بما بعده كأن الكلام ثم في قوله {مستكبرين} ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم، {سامراً تهجرون}، وقوله {سامراً} حال وهو مفرد بمعنى الجمع يقال قوم سمر وسمر وسامر ومعناه سهر الليل مأخوذ من السمر وهو ما يقع على الأشخاص من ضوء القمر فكانت العرب تجلس للسمر تتحدث وهذا أوجب معرفتها بالنجوم لأنها تجلس في الصحراء فترى الطوالع من الغوارب، وقرأ الجمهور {سامراً} وقرأ أبو رجاء {سماراً}، وقرأ ابن عباس وعكرمة وابن محيصن {سمراً} ومن هذه اللفظة قول الشاعر: [الكامل]
من دونهم إن جئتهم سمراً *** عزف القيان ومجلس غمر
فكانت قريش سمر حول الكعبة مجالس في أباطيلها وكفرها، وقرأ الجمهور {تَهجُرون} بفتح التاء وضم الجيم واختلف المتأولون في معناها فقال ابن عباس: معناها تهجرون الحق وذكر الله وتقطعونه من الهجر المعروف، وقال ابن زيد: من هجر المريض إذا هذى أي تقولون اللغو من القول وقاله أبو حاتم، وقرأ نافع وحده من السبعة {تهجِرون} بضم التاء وكسر الجيم وهي قراءة أهل المدينة وابن محيصن وابن عباس أيضاً ومعناه يقولون الفحش والهجر والعضاية من القول وهذه إشارة إلى سبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاله ابن عباس أيضاً وغيره، وفي الحديث «كنت نهيتكم عن زيادة القبور فزوروها ولا تقولوا هجراً»، وقرأ ابن محيصن وابن أبي نهيك {تُهَجِّرون} بضم التاء وفتح الهاء وشد الجيم مكسورة وهو تضعيف هجر وتكثير الهجر والهجر على المعنيين المتقدمين، وقال ابن جني: لو قيل إن المعنى أنكم تبالغون في المهاجرة حتى أنكم وإن كنتم سمراً بالليل فكأنكم تهجرون في الهاجرة على غاية الافتضاح لكان وجهاً.
قال القاضي أبو محمد: ولا تكون هذه القراءة تكثير {تُهجِّرون} بضم التاء، وكسر الجيم لأن أفعل لا يتعدى ولا يكثر بتضعيف إذ التضعيف والهمزة متعاقبان ثم وبخهم على إعراضهم بعد تدبر القول لأنهم بعد التدبر والنظر الفاسد، قال بعضهم شعر وبعضهم سحر وسائر ذلك، وقوله {أم جاءهم} كذلك توبيخ أيضاً والمعنى أأبدع لهم أمر لم يكن في الناس قبلهم بل قد جاء الرسل قبل كنوح وإبراهيم وإسماعيل وفي هذا التأويل من التجوز أن جعل سالف الأمم آباء إذ الناس في الجملة آخرهم من أولهم، ويحتمل اللفظ معنى آخر على أن يراد ب {آباءهم الأولين} من فرط من سلفهم في العرب فكأنه قال: أفلم يدبروا القول أم جاءهم أمر غريب من عند الله لم يأت {آباءهم} فبهر عقولهم ونبت أذهانهم عن أمر من أمور الله غريب في سلفهم والمعنى الأول أبين.


هذا أيضاً توبيخ والمعنى ألم يعرفوه صادقاً مدة عمره ولم يقع منهم قط إنكار لمعرفة وجه محمد صلى الله عليه وسلم وإنما أنكروا صدقه، وقوله {أم يقولون به جنة} توبيخ أيضاً لأن الفرق بين الحكمة وفصل الخطاب الذي جاء به وبين كلام ذي الجنة لا يخفى على ذي فطرة، ثم بين تعالى حاله عليه السلام في مجيئه بالحق، وقوله تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم} قال ابن جريج وأبو صالح {الحق} الله تعالى ع وهذا ليس من نمط الآية، وقال غيرهما {الحق} هنا الصواب والمستقيم ع وهذا هو الأجرى على أن يكون المذكور قبل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ويستقيم على هذا الفساد، {السماوات والأرض ومن فيهن} لو كان بحكم هوى هؤلاء، وذلك أنهم جعلوا لله شركاء وأولاداً ولو كان هذا حقاً لم تكن لله الصفات العالية، ولو لم تكن له لم تكن الصنعة والقدرة كما هي، وكان فساد {السماوات والأرض ومن فيهن}، ومن قال إن {الحق} في الآية الله تعالى بشعت له لفظة {اتبع} وصعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية لأن لفظة الاتباع على كلا الوجهين إنما هي استعارة بمعنى أن تكون أهواؤهم يصوبها الحق ويقررها فنحن نجد الله تعالى قد قرر كفر أمم وأهواءهم فليس في ذلك فساد سماوات، وأما الحق نفسه الذي هو الصواب فلو كان طبق أهوائهم لفسد كل شيء فتأمله، وقرأ ابن وثاب {ولوُ اتبع} بضم الواو وقال أبو الفتح: الضم في هذه الواو قليل والوجه تشبيههاً بواو الجمع كقوله {اشتروا الضلالة} [البقرة: 16] وقوله {بذكرهم} يحتمل أن يريد بوعظهم والبيان لهم قاله ابن عباس، وقرأ قتادة {نُذَكِّرهم} بنون مضمونة وذال مفتوحة وكسر الكاف مشددة ويحتمل أن يريد بشرفهم، وهو مروي، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق {بل أتيتُهم بذكرهم} بضم تاء المتكلم، وقرأ ابن أبي إسحاق أيضاً {بل أتيتَهم} خطاباً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ الجمهور {بل أتينهم بذكرهم} وروي عن أبي عمرو و{آتيناهم} بالمد بمعنى أعطيناهم.


هذا تبوبيخ لهم كأنه قال: أم سألتهم مالاً فقلقوا بذلك واستثقلوا من أجله، وقرأ حمزة والكسائي {خراجاً فخراج} وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم {خرجاً فخراج} وقرأ ابن عامر {خرجاً فخرج} وهو المال الذي يجيء ويؤتى به لأوقات محدودة، قال الأصمعي: الخرج الجعل مرة واحدة والخراج ما تردد لأوقات ما، ع وهذا فرق استعمالي وإلا فهما في اللغة بمعنى، وقد قرئ {خراجاً} في قصة ذي القرنين وقوله {فخراج ربك} يريد ثوابه سماه خراجاً من حيث كان معادلاً للخراج في هذا الكلام، ويحتمل أن يريد {فخراج ربك} رزق ربك ويؤيد هذا قوله {وهو خير الرازقين}، و{الصراط} المستقم، دين الإسلام و{ناكبون} معناه عادلون ومعرضون ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لو زال عنهم القحط ومنَّ الله عليهم بالخصب ورحمهم بذلك لبقوا على كفرهم و{لجوا في طغيانهم}، وهذه الآية نزلت في المرة التي أصابت قريشاً فيها السنون المجدية والجوع الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «اللهم سبعاً كسني يوسف» الحديث.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9